حلم غريب

 

 
http://www11.0zz0.com/2012/01/15/23/265261658.png
 

استيقظت يومي هذا واجدا نفسي في بلدة غير بلدتي، وجوه غريبة بلباس غريب عني، حتى المنازل ليست بنفس الطراز.. 

لم أفهم ماذا حل بي؟ هل تراني سافرت عبر الزمن أم تراه حلم مزعج؟ رجحت الاحتمال الثاني بيد أني تناولت العشاء بشراهة ليلة أمس

حاولت الاستيقاظ بشتى الوسائل دون جدوى ومنه تبين لي أن الزمن تغير بين ليلة وضحاها وعلي الاستسلام للوضع فما بيدي حيلة

بدأت أتجول في بلدتي الجديدة فإذا بي أرى جماعة تتجه نحو كوخ صغير بوجوه يعلوها الأسى وأيادي تنتظر لحظة البطش بمسبب ألمهم

تتبعت خطاهم ملتصقا بهم حتى صرت واحدا منهم، قرعوا الباب فاعتقدت لوهلة أنه سينتزع من مكانه من قوة القرع،

خرج شاب يافع يرتدي وزرة بيضاء تبين لي بعدها انه طبيب البلدة، ابتسم في وجوههم مرحبا بهم وداعيهم للدخول،

دخلت معهم حتى أتبين الأمر يبدو أني فضول بالفطرةجلسنا معا على حصيرة ممتدة بالغرفة تتوسطها طاولة صغيرة مدورة من الخشب

فابتدأ أكبرهم سنا الحديث قائلا: تعلم يقينا أن ابننا توفي بمرضه رغم ما وصفته له من علاج، كما وتعلم العقوبة المقدرة في حقك

رد الطبيب بكل جرأة: أعلم، يكفيني أن تعلموا أني بريء من روحه التي زهقت، فالمرض جديد على البلدة وأنا في طور البحث عن علاج فعال له

ردد من في المجلس هتافا: أعانك الله يا ولدي نحن نثق بك وفي همتك وحبك لعملك

أجاب الطبيب: آميـــن، سأسافر باحثا بعد أن أدفع ما علي لكم ولن أعود حتى أستبين خبر المرض اللعين، وطبعا سأترك مساعدي الدؤوب إن لزمكم شيء

خرج الجميع راضين متفائلين بما سيصل إليه الطبيب، وبعد أن فرغ الطبيب من توديعهم رجع فوجدني لا زلت قاعدا في مكاني،

نظر إلي واستفسر عن بقائي قائلا: أبك علة يا سيدي؟ تفضل فأنا هنا في خدمتك قدرني الله على مساعدتك والتخفيف من ألمك

أعلمته عن خبري ثم أضفت في نهاية حديثي: ماذا لدى القوم عندك يا أخي؟

 أجابني بعد أن طمأنني بما يخص مأواي ومأكلي: يدفع الحكيم تكاليف العلاج كاملة لأهل المريض إن لم يوفق في علاجه ويدفع الدية إن توفي جراء المرض

وأنا إن شاء الله سأدفع ما علي لهم قبل سفري، هل تحب أن ترافقني؟ أجبت دونما تردد: يسرني ذلك. ^^

بعد العشاء أحضر إلي غطاء وهم خارجا من الغرفة لأنام بهدوء فاستوقفته سائلا: كيف تعيش هكذا وأنت حكيم البلدة؟

علق مستغربا: لم أفهم سؤالك يا سيدي؟ شرحت له بقولي: أرى بيتك جد متواضع وثيابك كذلك، أليس هناك ضرر فيما يتعلق منزلتك هنا؟

ضحك من قولي وصرح لي: من قال أن الطب مهنة للغنى؟ تعلم بالعقوبات التي تطبق هنا ما أحصل عليه جراء علاجي لمريض أدفعه درهما درهما لمن خاب فيه علاجي

وكثيرا ما أعالج مجانا إن لم يتمكن من تسديد التكلفة طبعا دونما أن أعفي نفسي من تأدية الواجب له إن لم يكن علاجي له نافعا، تقبل الله منا جميعا

ثم خرج راضيا بما قاله لي، فقبعت ليلي كله أفكر في خبر الطبيب وحاله وأقارن بينها وبين الحال عندنا 

 

 

تخيلت لو أن نفس العقوبة تفرض عندنا كم سيدفع هذا الطبيب أعلاه على تلك الكارثة؟؟؟؟ 

استيقظت صباح الغد فلم أجد الحكيم في البيت أخبرني مساعده أنه غادر لتأدية ما عليه للقوم، وما هي إلا ساعة حتى حضر فدعاني للسفر معه بعد أن أعد العدة

امتطينا الحصان فتذكرت سيارتي الفخمة فعلمت حينها ما تعنيه مشقة السفر، ما كان صاحبي يلبث في مكان حتى يتجه لمكان آخر بحثا عن العلم،

وفي ليلة جلست بجواره أرى ما يخطه فما أثار انتباهي أولا هو جودة خطه وروعته فقلت له مازحا: من يرى خطك هذا لن يقول عنك طبيبا أبدا؟

استاء جدا من قولي وصاح: أترى خطي رديئا لهذه الدرجة؟؟ دهشت من قوله بل وقلت مسرعا: بالعكس إنه جيد جدا، الأطباء عندنا لا يكتبون هكذا

استغرب قولي بل وعلق شارحا لي أهمية الخط: الحكيم يصف للأهل أعشابا معينة لخلطته إن لم يحسن كتابتها أحضروا غير ما يريد للبس حرف أو يزيد ومنه يحدث ما لا يحمد عقباه، لذا يتوجب على الطبيب أن يحسن خطه بشكل يستطيع قراءته كل من الأهل والعطار.

شردت بذهني لحال الخط عند أطبائنا وتخيلت لو تقام في زمننا  

نبهني من شرودي بقوله: عمر تستطيع أن تخلد للنوم لا تنتظرني فعلي دراسة ما تلقيته اليوم من معلومات حتى نشد الرحال غدا للبلدة المجاورة

نفذت اقتراحه فخلدت للنوم بل لأقل خلدت لمقارناتي مجددا، كيف له أن يحرم نفسه الراحة ويتكبد المشقة من أجل الرقي بمهنته بمثل هذه الظروف؟؟

وكيف لا يحرك الطبيب عندنا يده متصفحا للكتب التي بين يديه أو قارئا في صفحات النت الطبية؟؟ حتى يتجنب الخطأ

أم أن التسويف صار نظريته في الحياة حتى صار لا يتقن عمله 

طبعا لن نعمم فمن الأطباء من يضرب بهم المثل في الضمير الحي المهني وكذا في البحث العلمي للرقي بالمهنة وللسعي دوما لمحاربة الداء والبحث عن الدواء

لكن هذه المرة نجد المريض من يتهاون في صحته ولا يلتزم بنصائح طبيبه المعالج 

أستغرب منه كيف علم أن الديناصورات لم تكن تدخن أو تشرب الكحول 

استيقظت في صباح يومي التالي واجدا نفسي فوق سريري في غرفتي الخاصة ، فعلمت أن رحلتي كانت حلما لكنه كان حلما رائعا جعلني أتفطن إلى مهنتي

لأصير مثل الحكيم في الزمن الماضي نشيطا دؤوبا أحمل هم العقول الصغيرة وتنشئتها تنشئة سليمة

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه

 

 

 

ملاحظة: توجد المقارنات في كل المهن، فليحرص كل منا على إتقان عمله لإرضاء ربه ، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:

'رحم الله عبدا عمل عملا فأتقنه'