كيف تتغلبين على الغيرة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم ..

والصلاة والسلام على حبيبنا وسيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه 

امآ بعد  :

تعاني أغلب النساء من الشعور بالغيرة، وهي شعور طبيعي قليل منه يُصلح، ولكن إذا امتلأ القلب بها تحولت إلى مرض، وهذا المرض قد يكون حادا، وقد يكون مزمنا، حسب أعراضه وتأثيره.

*أختي الحبيبة!

أتدركين أن الله عز وجلّ أكرمك، وأراد لقلبك أن يحيا حياة طيبة خالية من الأمراض الخبيثة التي تقتله، وأنه سبحانه قد حمَّلَكِ أمانة عظيمة غالية.. الارتقاء بنفسك، وتحقيق العبودية، وخدمة دينك، ورعاية ذريتك، وحسن التبعل لزوجك، إنها مهام عظيمة لا يمكنك أدائها إذا كان قلبك معتل، مثقل بعبء الغيرة وعنائها.

* الزواج شركة وليس حربا

علاقة الزوجية هي شركة بين الزوجين، ( والله ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر)، ومن المفترض أن يحرص كل شريك على إنجاح الشركة، فهي ليست حربا يريد كل طرف فيها أن ينتصر على الآخر، بل إن هذا التصور يؤدي إلى هزيمتهما معا، ووقوع الخسارة الفادحة التي لا تقتصر عليهما.

والشركة الناجحة يسبقها إعداد جيد، ويقوم مديروها بمراجعة خططهم بشكل دوري، لضمان النجاح، والتغلب على الصعاب، وتطوير أنفسهم.

لذا فإن على المرأة، التي هي موطن السكن، وصاحبة الدور الفعال في إدارة شركة الزواج أن تجعل من ضمن إعدادها لنفسها، وتطوير نجاحها، ترسيخ قاعدة وجدانية أساسية، وهي:

( الزوج ليس أحد ممتلكاتي، بل هو حبيبي، ورفيق دربي، والقائم على رعاية البيت وحفظه).

أما إذا نسيت المرأة دورها وكيانها، ومكنت الغيرة من قلبها، سعيا لامتلاك زوجها، فتتبعت حركاته وسكناته، وحبست نفسها في عينيه، وقد خلقها الله حرة، وسعت للكشف عن خواطره المستورة، وذكرياته الدفينة، فضلا عن التحري المستمر لهاتفه وبريده الإلكتروني، وجيوبه، وأوراقه.. فتكون قد انزلقت في طريق الهم والغم، وفتحت على حصن بيتها بوابات الشك والريبة، فتسقط من علو دورها، وعظيم مكانتها، لتنحصر همومها في: مع من تكلم زوجها؟.. وإلى من ينظر؟.. وأين يذهب؟.. ولماذا تأخر؟.. عشرات الأسئلة تجهدها، وتستهلكها.

الانشغال بالحق

(نفسك إن لم تشغلها بالحق.. شغلتك بالباطل).. قاعدة حكيمة ترددت عبر الأجيال، وعلى الزوجة المسلمة المستسلمة لربها أن يكون أول همها: كيف ترضي مولاها وخالقها؟.. وكيف تشغل وقتها بما يصلح أمرها؟

ولتعلم أنها كلما اتقت الله في كل صغيرة وكبيرة، كلما استقامت حياتها، وتولى الله عنها ما غاب وما ظهر.

أما الغيرة فهي انشغال بالغير، وهي كالنار التي تتزايد وتعظم، وتحرق ما في طريقها، فإذا شبت في قلب الزوجة، جعلت الأرق حليفها، وتفرغت من التفكير في عظائم الأمور إلى التفكير في كل نساء الدنيا.. من أجمل منها؟.. من أفضل منها؟.. من ستحلو في عين زوجها.. ومن يا ترى سيفكر فيها زوجها؟.

والانشغال بالحق، وصبر النفس على الذكر، ومجالسة الصالحات ممن يهدأ القلب بصحبتهن، وتسمو الهمة إلى المعالي.. خطوة أساسية لسلامة القلب من الغيرة الزائدة، وتجنب آثارها.

 

ماذا تفعلين إذا ظهرت امرأة في حياة زوجك؟

في حياة زوجك بالطبع نساء عديدات.. الأم، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت.. إلى غيرهن من المحارم، والعلاقة في هذا الإطار واضحة، وعليكِ دائما أن تحتفظي معهن بعلاقات طيبة، ومعتدلة من حيث الانفتاح والتواصل.

وقد تكون غيرة الزوجة مرضية إلى حد يجعلها تغار من أخت زوجها عندما يتحدثان طويلا، أو من أمه عندما يلجأ الزوج إليها للمشورة مثلا، وهنا عليها أن تتذكر أن الندية في هذه العلاقات منعدمة، وأن تسترجع القاعدة الأساسية ( الزوج ليس أحد الممتلكات)، فكما أن لها أهلا تحبهم، وأبا تقدره وتثق برأيه، وأخا تسعد بالحديث معه، فزوجها أيضا له أهله وأقاربه، والعلاقة الزوجية مصونة عن المقارنات بخصوصيتها، وأهميتها، وتميزها.

وقد تكون الزوجة محقة في غيرتها إذا كانت العلاقات مع المحارم لا يتم فيها الالتزام بضوابط الشرع، ومقتضيات الحياء، وهنا فعليها التذكير بتقوى الله بهدوء وأدب وتحبيب، وان تحرص على ألا تظهر في صورة الزوجة المنفعلة غريبة الأطوار سيئة الظنون، بل أن توضح أن نصحها لله، لأن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، ولأن الحياء خير كله، مسترشدة بكلام أهل العلم في ضوابط وحدود زينة المرأة أمام المحارم.

وقد تكون الغيرة في علاقة الزوج بمحارمه النساء من باب حديثهن عن نساء أخريات، ووصفهن لهن، وعلى الزوجة أن تضبط نفسها، وتتحدث بهدوء وتبدي عدم انفعال مذكرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا تصف المرأة المرأة للزوج أو غيره كأنه يراها.

- أما ظهور المرأة من غير المحارم فيأخذ صورا عديدة، فقد تكون زميلة عمل، أو عرفها عن طريق الإنترنت، أو طالبة عنده في المدرسة أو الجامعة.. وقد تكون قريبة للزوجة، أو صديقة لها أو زميلة، وأخذت مكانا مفروضا في حياة الأسرة لسبب أو لآخر، وقد تكون مدرسة للأولاد.

وهنا لنا وقفة.. فالوقاية - كما يقولون- خير من العلاج، يجب أن تكون معايير اختيار الزوج من البداية وفق الهدي النبوي الكريم، أن يكون الزوج ديّنا إذا قيل له : اتق الله، لا تأخذه العزة بالإثم، وإنما يخبت لربه، وينهى النفس عن الهوى.

- وعلى الزوجة من البداية أن تتعلم كيف تدخل أي امرأة إلى حياتها؟.. وأن تحرص على ألا تتحدث مع زوجها عن محاسن أي امرأة، فلا تعين الشيطان عليه، فالشيطان سماه الله تعالى ( الغرور) وهو يزين للإنسان الحرام، ويغره بطلاء الأشياء بقشرة زائفة، وغاية مراده من ذلك أن يهدم الأسرة المسلمة إن استطاع، ولكن سلطانه خائب مردود على عباد الله المخلصين المتبعين لهدي نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم.

- وعلى الزوجة العاقلة أن تكون خبيرة بزوجها.. تعلم مواطن ضعفه فتعينه وتحميه، وتدرك مكامن قوته فتستخدمها، وإذا كانت الزوجة محبة لزوجها حريصة على بيتها فسوف تتفقد مواضع رضاه وسعادته، وتعرف كيف تسعد به.

فإذا جدَّ جديد، ولاح في الأفق خيال امرأة أخرى كما ذكرنا فعليها في هذه الحالة أن تتأهب لمعالجة الموقف، وتستعين بربها، ثم بحبها وعقلها ورصيدها عند زوجها.

وإليك بعض الخطوات المساعدة على ذلك:

1. مشاركة الزوج اهتماماته دون إثقال أو تكلف، وحسن الاستماع إليه، مما يجعله محبا مؤانسا غير مستغني عن زوجته نفسيا.

2. الثقة بالنفس.. والرضا عن الله، وإظهار مواطن الجمال الخُلقي والخَلقي، والتجديد بين الحين والآخر، فتطلع الزوج إلى الخارج كثيرا ما يكون لا لكرهه لها، وإنما لملله ورغبته في التغيير، والزوجة الذكية يمكنها تلبية هذه الحاجة، ليس بتغيير المظهر فحسب، بل وبتغيير طريقة الكلام، وشكل المنزل، وطبيعة الاهتمامات.

3. تجنب الأساليب الصبيانية التي تؤدي إلى نتيجة عكسية، فإذا أبدى الرجل إعجابا بامرأة، فلا تقعي في فخ ذمها، وذكرها بسوء.. بل تذكريه بالله بهدوء، ولا تبدي انزعاجا، فبعض الرجال تستهويهم إثارة غيرة الزوجات.

4. إشباع حاجة الرجل إلى سماع الكلمات الجميلة، فهي حاجة عند الرجل أيضا، وكثيرا ما تكون الخيانات الإلكترونية من باب سماع كلمات الغزل، فاحفظي زواجك، وتعربي إلى زوجك.

والتعرب من صفات نساء الجنة، وهو إظهار العشق باللسان.. بالقول اللطيف وكلمات الغزل والمودة.

5. ألا تستسلم لرغبة التفتيش وراء الزوج، وفي الأثر: (( من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته))، فكيف إذا كان المسلم هو أعظم الناس حقا على المرأة، وهو زوجها؟

6. اللجوء إلى الله، والتعلق به سبحانه، والاستعانة به، والتذكر دائما أن القلوب بيديه، وهو مصرفها، وأن الدعاء سلاح المؤمن.. فلتلهجي بالدعاء: اللهم احفظ زوجي.. وأقر عينه بي، وأقر عيني به.

إن تعلق القلب بالله والأنس به.. يجعل النفس مطمئنة ساكنة، لا تقلبها الأهواء، أو تتقاذفها الهموم.. فمن وجد الله ماذا فقد؟.. ومن فقد الله ماذا وجد؟.

                                              والسلام عليكم ورحمة الله